بسم الله الرحمن الرحيم

خرجت من فصلي بعد أن رنّ الجرس، متجاهلة كلمات قد وجهتها إليّ معلمة فاشلة.

حيث أثار غضبها عدم مشاركتي لها في الدرس باعتباري إحدى المتفوقات، واصفةً إياي بالغرور

لأنها ظنّت أني تكبرت بعدم مشاركتي في تلك الحصة لأنني أحسب نفسي متفوقة وأن درجاتي تكفيني.

كان يشغل بالي في تلك الحصة أمر ما، لم أستطع وقتها أن أفعل شيئًا غير التفكير به.

خرجت أبحث عن تلك التي أحب أن أنادبها: ( معلمة)

لأراها أمامي، فابتسمت لي والشوق بادٍ على محياها، ومدت يدها مصافحةً، وضعت يدي في يدها بتعب.

فانتبهت لحزني الذي لا أكاد أخفيه، فكل ما رأيت في هذه الـ (المدرسة) غيرني ، فلم أعد (مريم) التي

اعتادوا على رؤيتها، أصبحوا يرون مريم أخرى. فقد أصبحت مريم السعيدة المبتسمة، حزينة مكتئبة.

عندما سألتني عن حالي، اكتفيت بالسكوت والبسمة على شفتيّ.

فسألتها إن كان بإمكانها أن تتولى تنظيم برنامج (الموهوبات)، فأخبرتني بأنها لا تستطيع.

عرفت بعدها أن هذه المدرسة، لا تريد منها فعل شيء، لا تحبها، وتحقد عليها لأنها إيجابية.

يعجبهم فقط من يقتنع بأخطائهم ويواريها، وأحيانًا يشجعهم.

حاولت أن أمنع دموعي من التساقط أمامها، متظاهرةً بالقوة، فغيَرت الموضوع لئلا تزعجني.

كم أنتِ رائعة يا (معلمة)، كم أشتاق إليكِ وإلى دروسك.

كم أشتاق لأن أراكِ فرحةً بنا وأنتِ تنمين إبداعنا، وفخرك بنا حين ترين إنتاجاتنا، لكن لا بأس، فليس بوسعي

فعل شيءٍ حيال هذا الأمر.

لكني خرجت من ذلك المكان: المدرسة) ولازال الأمر شاغلًا تفكيري، حيث بدأت صديقاتي الفضليات

بالتساؤل عن سبب حزني، مما دفع دموعي للانهمار، فغطيت وجهي، ومشيت وحيدة في طريقي.

ولم تتوقف دموعي عن التساقط بعد..

كنت أتصنع الثقة في مشيتي، لكن لست أنا من يثق بنفسه للأسف.

حتى إذا مررت من المدرسة الثانوية، التي هي أقل سوءًا من مدرستي بشيءٍ قليل.

فنادتني تلك الصديقة الرائعة.. لم أدرِ حينها هل أكمل طريقي وأتجاهل ذلك النداء؟

أم أجيبها وأريها دموعي وضعفي؟

كنت قد توقفت وأنا أفكر، لكن قالت لي نفسي أن أذهب وأشاركها حزني.

فاستجبت لما ملته عليّ نفسي، ولم أكد أصل إليها حتى عرفت أن خطبًا ما كان بي، وأنني كنت أبكي

عندما أدركت هذا، أحسست بضعف شديد، فزاد بكائي. أردت أن أحكي لها ما حصل ولكن لم تكن كلماتي مفهومة

لم أستطع أن أكون جملةً كاملةً حتى. كانت كل كلمة أقولها أخطئ في نطقها أو أنقص من حروفها.

فقمت بتوديعها لأن أباها رآها واقفة في الطريق وناداها.

فأكملت طريقي، ووصلت إلى بيتنا، حيث فتحت أمي لي الباب.

لم أكن قد كشفت وجهي بعد، فألقيت عليها السلام وتابعت طريقي نحو غرفتي ووجهي مغطىً .

كانت أختي الكبرى قد أحست بأن شيئًا ما قد عكر مزاجي، ولكنها تركتني حين أدركت أني كنت أبكي.

دخلت غرفتي أخرجت من حقيبتي دفتر مذكراتي المهجور، لأبدأ بالكتابة عليه مجددًا.

ودموعي تبلل أوراقه، فظللت أكتب، وأنا لا زلت بعباءتي، ويمدني جوالي بالضوء لأكتب، لأن أختي الأخرى

كانت نائمة.

فكان هذا مما كتبت:

"عندما تحس بأنه لا يوجد هناك من يستحق أن تبذل جهدك لأجله، أو عندما تكون في مدرسة تقتل فيك الإبداع

وتقفل في وجهك جميع الأبواب، مدرسةٌ .. تحب الفاشلين، تريد أن تبني جيلًا جاهلًا.

حتى وإن كان لديها بعضٌ من الأشخاص الإيجابيين، الرائعين، الذين يريدون أن يغيروا الخطأ إلى صواب،

ويريدون أن ينموا إبداع الطلبة. تقوم المدرسة بكبت كل طاقاتهم، وتمنعهم من كل شيء جيد يريدون القيام به

ماذا يجب عليّ أن أفعل حينها ؟

هل سأظل أحاول وينتهي بي الأمر بالبكاء، والإرهاق النفسي! كما يحدث دائمًا ؟.

ذلك لم يكن أبدًا واحدًا من الحلول.

سأحاول أن أبقى قوية، ولكن اليوم أُصبح ضعيفة ! .. لست أرضى بذلك بالطبع.

لا يهمني إن استمرت دموعي بالتساقط على ورقي،لأنني سأظل أحاول، أن أغيّر ما أراه خاطئًا.

مع أنه من أسوأ ما يكون هو أن تأتي واحدة من فاشلات المدرسة، أقصد معلماتها تطالبني بألا أبقى في حصتها

بوجهٍ حزين، وأن أكون بأقصى نشاطي، فكيف أكون على طبيعتي، وأنا منزعجة من طريقة تعليمك لنا، لكن

أنا لن أهتم بذلك أيضًا.

كذلك لن أهتم إن استمرت المعلمات في مقاطعتي، وفرض آرائهن عليّ، ورفع أصواتهن عندما أناقشهن في خطأٍ

من الأخطاء التي يقنعون أنفسهم بها، أو عندما لا يجدن ما يقلنه ردًا على وجهة نظري إذا كانت صحيحة، وكذلك

عدم الرد عليها بعقلانية.

ولن أضيع وقتي مرةً أخرى في أن أتمنى أن أكون ابنة الدكتور طارق السويدان.

أو أتمنى لو أنني كنت صبيًا ودرست في مدارس الفلاح،

لن أضيع وقتي في البكاء، وشد شعري، أو تمزيق كتبي التي تثير غضبي كثرتها وثقلها وقلة فائدتها.

لأن نفسي أرقى من أن أُعجب حتى بتلك التصرفات، كما أنّ لديّ طرقي في التنفيس عن هذا الغضب.

أيضًا لأنها ببساطة تعتبر تفاهات !!

ولأن الله قد قدّر لي أن أكون هنا في وسط هذه الشناعة، أفصد المدرسة الـ (.... )

أود بشدة أن أذكر اسم تلك المدرسة التي أبدًا لا أصدق بأنه يوجد في هذه الدنيا مدرسةُ هي أحط من

هذه قدرًا، وشأنًا، وتعليمًا، وتعاملًا، وتأديبًا و و و ... الخ.

لكن الآن سأقنع نفسي، وعما قريب سأؤمن بأن الله قدّر لي أن أدرس هاهنا حتى أن أكون إيجابية

وحتى أتصرف بحكمة، وحتى أنكر الخطأ، وأستقذره، وأضحك عليه، وفي النهاية ..

لأكون واحدةً ممن سيقومون بهذه الأمة من جديد .

والســـــــــــــــــلام ! ".

P.S:

نأسف بشدة على هذه الطريقة في الكتابة، فهي تحتوي على الشيء الهائل من الغضب..

لكن هي نوع من أنواع يومي تُنكَر للتنفيس عن غضبها، فضلًا وعوضًا عن البكاء الذي لا فائدة منه

"فالألـــم هو من يكتــــبــــ ".






Mariam Tunker

13 Dec 2009
بسم الله الرحمن الرحيم ..



ها أنا الآن، أحس بمرارة البكاء ، ولكن أتذكر تلك الكلمات: " الألم هو من يكتب يا صديقتي " .

أشكرك .. أشكرك كثيرًا على هذه الكلمات الرائعة .

والآن أنا متألمة، وسأكتب ..



كنت في مدرستي (الرائعة) ، رنّ ذلك الجرس المزعج معلنًا انتهاء حصةٍ وبدء أخرى.

تصفحت بسرعة جدول حصصي ، فإذا هي تلك الحصة المشؤومة.

صرخت بصوتٍ عالٍ:

"هيا يا فتيات، لا يحتاج أن أذكركن بما عليكن فعله".

رددن عليّ: "طبعًا مريم، لا يحتاج".

أقرّ بأننا كنّا نتصرف بلا تفكير، وبقلة عقل، وذلك لأننا لم ندرِ كيف نقابل تصرفاتها بغير هذا الأسلوب (للأسف.. كنا مخطئين!!)

على كل حال..بدأت الفتيات بتسميع النشيد الوطني، متمثلات بالتأثر باليوم الوطني، وهنّ في الحقيقة يستقبلون تلك (المعلمة)، فهاهي أميرة الاحتفال قد وصلت: (يا حيَا الله).

فتحت الباب بعصبية، أخذت تصرخ لدقائق.

ثم قالت: "دعوا الوطن لأهله، هم ينشدون له.. أنا أعرف جنسية كل واحدة منكن، فلا تتصنعن

الوطنية، وأنتن لستن من أهل هذا الوطن!!".

أحسست بقلبي يخفق بشدة بعد أن سمعت تلك الكلمات، فهذه لم تكن المرة الأولى التي تظهر فيها عنصريتها المقززة،

ولكن تفاجأت، لأني أنا السبب في تفوهها بتلك الكلمات، حيث أن ذلك لم يكن في الحسبان، ولكن كنت قد أدركت حينها كم كان تصرفي غبيًا.

فقاطع تفكيري تساؤل إحدانا:

"ماذا تعينين بكلامكِ يا معلمة !؟ ".(وقد أحسست بأنها لو لم تكن من الفئة المقصودة لما تكلمت.. وقد أكدت لي أفعالها بعد ذلك مصداقية الأمر).

ردت عليها قائلة: " أنا لا أقصدكِ أنتِ يا مايا، بل أقصد هؤلاء، قليلات الأدب!!"

وأصبحت الفتيات يبدين اشمئزازهنّ من عباراتها.

بينما كنت أنا أرتجف من شدة الخوف، فقد أنكرت فعلها، وكنت أريد أن أفعل شيء

ولكن كان في قلبي شيء من الخوف من الوقوع في المشاكل، وكان ذلك لأول مرة !

لم أستطع حينها تحديد مشاعري، فقلت لفتاةٍ كانت بجانبي :

" أهكذا كان يفعل رسول الله!؟ " وكنت أنوي بذلك أن تسمع تلك الـ (معلمة)، ولكن مع ذلك الشعور الرهيب عجزت حتى عن اختيار الكلمات المناسبة

فقد كنت أقصد معنىً بعيدًا جدًا بتلك العبارة، ولكن الغضب جعلني أقولها هكذا.

وحصل ما أردت، فجاءت تصرخ عليّ : "اصمتي!!" .

قلت: " أنا لم أحدثكِ أنتِ، أنا حدثت زميلتي!!" طبعًا كنت غير مهذبةٍ معها أبدًا حينما قلت تلك الكلمة، ولن أخفي أنني قلتها وأنا أرتجف من الخوف!

لم ترد عليّ بالتأكيد، حيث كانت مشغولةً بضرب تلك المسكينة.. بحجة أنها أجنبية!

كنت أشاهدها وهي تضربها بكل ما أوتيت من قوة، وأقول لنفسي: " لا بد من أن أفعل شيئًا ما!!"

اكتفت (بنت البلد) من ضرب تلك الأجنبية، وهمّت بشرح درسها.

فقمت أنا بإرسال رسائل لجميع الفتيات: "إياكن والمشاركة في الدرس!!"

وجلست أشاهد. لأرى من هي التي تجرؤ على المشاركة في درس هذه المعلمة.

هذه الأولى، وتلك الثانية، والثالثة، والرابعة !!

أهن راضيات بما قد رأين من شنيع صنعها ؟؟

ألا يهتممن بمشاعر تلك التي ضربتها هذه المعلمة قبل قليل؟؟

أم هن لا يكترثن لكرامتهن ؟؟ أعماهن حب الدرجات أم ماذا ؟؟

بعد خروجها من فصلي، جلست أفكر في الأمر. ماذا يجب عليّ أن أفعل ؟

ففكرت في أن أستشير بعض المعلمات في الأمر، لعلهن يساعدنني، ولكن عندما حاولت البحث عمن يقف في صفي من المعلمات

فلم أجد أحدًا أبدًا، فأصبت بالإحباط الشديد، ولم يرتح قلبي بعدها.

إلى أن أتت الفرصة (وقت الغداء) وقابلت صديقتي، حيث كانت ملامح وجهي تعبر عن استيائي، وإحباطي.

فلما سألتني صديقتي عما بي، لم أستطع إجابتها، بل اكتفيت بالبكاء على كتفها.

وقد كان البكاء مريحًا جدًا لي، أحسست بأني أخرجت ما كان بي من غضب.

حاولت بعدها، أن أقنعهن إقناعهنّ بعدم المشاركة، وتعاون معي الفصل كله ما عدا اثنتان

رأيت حينها أن الأمر غير مهمٍ على الإطلاق، غير أن ما حصل بعد ذلك هو أن أصبحت كل واحدة تخاف على نفسها

وتسحب كلامها، وتأييدها، لئلا تهبط درجاتها في المادة ، وحجج أخرى لا نهاية لها .



وبعدها تركت الأمور على حالها، بسبب ما رأيت من الفتيات من تراجع، ونفاق، وأشياءً أخرى لم أتوقعها، كان لها أثر على راحتي النفسية.


فعادت تكرر ما فعلته سابقًا ، لكن في فتاةٍ أخرى، وكان السبب في هذه المرة: هو

أن الفتاة عاندتها، حيث أكلت البسكويت حين أمرتها برميه في سلة المهملات، فانهالت عليها بالضرب.

تظاهر البعض بالاشمئزاز من فعلها مرة أخرى، فقلت أنا لإحداهن مازحةً :" فلتشاركن بعد هذا أيضًا" .

فردت عليّ بوقاحة رهيبة، قالت: "نعم سأشارك، وهل ستمنعينني إذا شاركت؟ لن تستطيعي منعي !! ".

بعد هذه الكلمات من تلك الفتاة، لم أرد عليها، ولكنها زادت هبوطً في نظري.

وحصل أن زارت فصلنا المعلمة ( ف )، وأرادت يومها أن تستفسر عن أحوالنا في مادة الجغرافيا، فقصصت عليها كل شيء، فانصدمت صدمةً كبيرة

ووضحت لنا مواضع أخطأنا فيها، أرادت منّا أن نناقشها فيما فعلت (وهذا ما قد حاولنا فعله ولكنها أعرضت عن الاستماع لنا).

فقالت بأنها سوف تتصرف، وتحاول أن تتحدث مع معلمتنا،ولكن اشترطت في المقابل على أن نعاهدها أن نحسن التصرف، وتم الاتفاق.

وفي الأسبوع التالي: جاءتنا معلمتنا (ف) القديمة لتدرسنا، ولكم يا أحبتي أن تتخيلوا كم كانت فرحتي مع أني توقعت ذلك. ولم نعد نرى المعلمة (ع) في المدرسة مرة أخرى !

واستبدلوها بمعلمتنا ( ف ) .. التي قامت بدورها بإخبارنا أن امتحاننا الأخير سيكون مسؤولية المعلمة ( ع ) ,,,





كانت أول توقعاتي هي: أنها ستقوم بالانتقام منّا بوضع أسئلة صعبةٍ جدًا، أو أسئلة مشتتة ، ( وفي يوم الامتحان .. لم يخب ظني ! )

فبعد انتهائنا من ذلك الامتحان،أخذنا نتناقش كالعادة في حل الأسئلة ونتبادل الإجابات.

حيث كانت لكل واحدة منهن إجابة مختلفة، مما جعل زميلاتي هامدين وصامتين يفكرن فيما ستكون درجاتهن، فما كان مني إلا أن صعدت على كرسيّ قائلة:

" لقد فعلَتها !! لقد انتقمت منّا بتلك الأسئلة !!! ههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههه"

وأصبح الفصل يعج بالضحكات المختلفة، ولم أهتم بدرجتي في ذلك الاختبار.

ولكن اليوم، جاءت معلمتنا ( ف ) لتقول: " ثالث!! في هذا الأربعاء سوف يختبر جميع من بالفصل ثانيةً، جميع درجاتكم كانت صفرًا أو اثنين.

ولا أخفي عليكم أني ضحكت ضحكًا كثيرًا أتعب قلبي !! ولكن مع ذلك أحسست بفخر كبير جدًا، فقد أثبتنا من غير قصد للجميع بأنها معلمة فاشلة !!

وفي البيت، أعدت النظر فيما حصل، أيقنت أنّ الله لا يضيع حقّ أحد من الناس، ووجدت أنه لا يجب أن ييأس أحد من أن الله سوف ينتقم من الظالمين.

وقتها أحسست بعبراتي تنزلق على خديّ، فهذه ثمرة جهدي! لأني كنت إيجابية، وظللت أحاول مرة، وأفشل مرتين.

ولكن في الأخير.. لقد نجحت !! نعم نجحت.


Mariam Tunker
6 des 2009