بعد انقطاع طويل.. 
 وبعد سرقة EverNote لما كتبت ولم أنشر ربما توقفت لأن سبب كتابتي الأول هو الألم، 
 ويبدو أنني كنت قد أوهمت نفسي بأن أقسى أيامي كانت في بداية مراهقتي ونضجي، 
وربما لأنني أردت أن أقاوم بلا تذمر وأتحمل نِتاج ما حاربت لأجله، وهو دخول المدرسة الثانوية ال26 ذات النظام ال"مطور". 

لا زلت أذكر كل تفاصيل فرحتي بدخولها، كانت أكبر وعودي لنفسي هي ألا أسمح لأحد بأن يصادقني، فكرة مصممة حقًا. لطالما كان أكبر أذى لي من البشر،فلو سقط علي حائط لن أحقد عليه أو أكرهه، بل سأكره من لم يقم ببنائه بإخلاص! 
لا أدري ما الرابط هنا، لكن كرهي للبشر كان كرها مفرطا ، حسبت أني به سأنقذ نفسي من فرط المحبة الذي اعتدته وضرني. 
كان طريقي دائما كحبل معلق بين سورين متباعدين جدا، ف أكون متشبثة بأحد السورين،وسرعان ما أكتشف أنه يهتز عمدا ليوقعني ويكسرني وعظامي. 
 لا يخطر ببالي إلا أن السور الآخر سيكون أكثر ثباتا،فأسارع لأقطع تلك المسافة الهائلة بلا توقف،ويوهمني قلبي أن هذا الألم والشقاء هو ثمن التغير للأفضل، حتى أصل إليه وأفاجأ بنفس فعل السور الأول، وأدرك وقتها مدى جبني، وكم أهدرت من وقت وجهد كان يمكن اختصاره في دقائق من التفكير والتركيز.

 أدركت جهلي بمعنى القوة والثبات ،حيث كان من المفترض أن أقف في منتصف الحبل ،ولا أرتكز على شيء سوى توازني واستقراري أنا كمريم! ظللت أكرر "الوسطية .. الوسطية" وأكاد أقسم أن لم تفدني عبارة من قبل ، كهذه. بماذا مررت ؟ ما الذي آلمني؟ لا شيء؟ أعلم ما الذي آلمني، لكن الفرق اليوم عن كتابات السنين الماضية، هو أني ما عدت أحصي آلامي ، ولا عادت تهمني كثرتها،وأستطيع العيش وكأن أيا منها لم يحصل.

 أحمدك إلهي .. فهذه القوة التي كنت أحتاجها وأبحث عنها ، منذ تعرضت للأذى أول مرة. وما هو الأذى؟ ما هو الصحيح ؟ وما هو الخاطئ؟ أصبحت أعلمهم كلهم علما يقينا، تعلمت كيف أفهم ما يقوله قلبي، وهو الأصدق حديثا لنفسي، كان قد تخلى عني حين كان استيقاظه لا يهمني، حين تصنعت الصمم وتجاهلت كل ذكره الصائب.
 مكررة نفس الخطأ ، ظننت ألا فائدة منه، لجأت إلى عقلي وتكررت النتيجة، ومرة أخرى توسطت في استخدامهما. وجدت حينها الراحة والاستقرار.

 تعرفت بشكل أكبر ، على الإنسان الذي بداخلي، حمدت الله أن كتمي على نفسه لم يصل حد إعلاله ! حيث كان خوفي الأكبر هو قتلي له. ذاك الذي لديه الطريق إلى الله. عرفتك يا إلهي أكثر،حين عرفت نفسي ، أهذا هو ما قصدته بقولك العظيم: " وفي أنفسكم أفلا تبصرون " ؟ 

 أحببت أن أجرب أن أعيش بمرونة، فشققت طريقي إليها ، بدءا بجسدي، وكم كان مثيرا للحماسة أن أتمكن من طيه وإذهال صديقاتي بتلك الحركات التي تمرنت عليها كثيرا، شجعت نفسي بعد أن انتظرت نوعا معينا من التشجيع ولم أجده،لمجرد أن العالم ليس على هواي، نعم، كان محفزا قويا ، لإثبات قدرتي على فعل أي شيء، وحتى تمكنت من المرونة الجسدية ، رحت أحاول كظم غيظي، بعد صراخ موجع وجهته لصديقة اختلفت معها، أو بعد لحظات سينمائية لي وأنا أصرخ في أذن متصل مجهول أراد الاستهزاء بي وإزعاجي بالاتصال المتكرر، وسقوطي البطيء مع آلام صدر وعظام، وصعوبة تنفس، تشبه العجوز الذي تلقى خبر موت أبنائه كلهم دفعة واحدة، ملئت تلك الفترات بمشاهد سينمائية كانت ستصل للعالمية لو نشرت.

 وها أنا الآن ألاحظ اندماجي في عالم الأفكار المبهر ، الوحيد الذي لم أشعر بقيوده وحدوده، لم أعد أهتم بالموقف، كما أهتم بالأفكار التي خلّفها وراءه أو قام عليها. الواقعية، الإيمان، الإنسانية ..
 الحب والكره. مصطلحات مكررة، تصنعت انطرابي لمسمعها، والآن بات جسدي يقشعر منها.
 لازلت صارمة مع نفسي ، أعظّم آثامي وأخطائي، وبنفس الوقت فأنا لا أزال أبرر وأتحجج لها بالحجج الواهية.
 عشت باحثة عن الإنسان الأمثل، لأصبح أنا هو، لكن لم أستطع حصره بأي معنى أو شيء، حيث لم يكن لأحد أن يحدده بأية مقاييس. 
 كم مرة تمنيت تحديد نسب وجود الشر والخير في الإنسان المثالي، حتى نستطيع كلنا الوصول إليه بلا عناء البحث عنه. 

 تغيرت كثيرا، ولازلت خائفة من التغير أكثر، فأنا لا أريد أن أغير كامل هويتي، لا أريد أن أفقد حيويتي وانطلاقي ونشاطي بالذات، لأنهم أفضل المعبرين عني . سأظل أسأل السؤال الذي أمدني بكبير القوة..

 هل حدث ووُجد ما لا أستطيع فعله؟
 ماذا إذن عن حبي لنفسي؟
 هل سأتمكن من حيازته يوما؟
 صدقا، لا يهمني هذا كثيرا، 
إن أحببت نفسي فلوقت قصير جدا وفقط عند إتمامي لإنجاز قيّم وعظيم، سيكون حبي وقتها ،أمرا ممتازا أستحقه بجدارة.
 سأتحفز أكثر وأتشجع أكثر لنيل ذاك الشعور، وسأظل ألاحقه دوما كلما نفد مني. 
لا بأس.. أعرف أني أغتر كثيرا بنفسي حين أحصل عليه، لكني أكون بهذا، قد وصلت لأقصى درجات الاستمتاع، لأني أعرف أنه سيتلاشى عما قريب.

 قلت لنفسي كثيرا: " القشور لا تهم" ، ولا أزال في حيرة من صحة هذا المبدأ الذي أوهمت نفسي به، كونه من الواجب ألا يفكر الشخص في منظره كثيرا، لا يهم أن تثق بشكلك، فقط هذبه ورتبه، لكن لا تشغل بالك بسؤال نفسك عن كمية جمالك، ثق بقدراتك وقوة شخصيتك أنت فقط. ويتكرر سؤال محير جديد !

 إلى متى سأتغير للأفضل؟
 وهل هناك نقطة اكتفاء؟

 أعني .. هل سأكمل حياتي وأنا كلما أصلحت أمرا سيئا، اكتشفت آخرا يحتاج الإصلاح؟
 ألن تنهتي هذه الأخطاء؟
 ولماذا تتجدد؟
 أسباب كثيرة تتفرع من السبب الأكبر ، وهو "لأننا بشر" خلقنا لغاية معينة، ستكون الحياة تافهة ومملة بدونها .. 

لكن متى ستكف تلك التساؤلات عن الطروء على بالي؟
  توقفها يعني ببساطة التوقف عن العيش كإنسان، تعطيل العقل والحواس وعدم استحقاقك للعيش على هذه الحياة. ودائما ما تكون الإجابة .. عند سيلفر في الكيك : " وتستمرررر الحيااااة يا صديقي "