الاختلاف، وتفريق الجماعة..
أتقول أن لا صلاحية لي في فعل ذلك؟
لكن، لم تقولها بهذا الأسلوب المتوحش؟
أتشعر بالغضب، أم بالتهديد؟
قد يوهمني كلامك بأني مخطئة،
وهنا يأتي دور التساؤل بحيادية للكشف عن الخطأ الحقيقي،
ونرد إليكم سؤالًا آخر:
"كيف لك أن تكون واثقًا مما تقول؟"
ألم يكن ما تقوله، مجرد رأي؟
هل من العادل أن نقدّم الأكثرية في اعتبارنا، على صحة الرأي؟
أن أحتقرك لأن الحظ حالفني اليوم بتوافق الأغلبية معي؟
..
لكل منّا أسلوب حياة مختلف، غُذّي بمواقف، ظروف أو مشاكل، لا تتكرر نفسها في حياة الآخرين،
كل فرد، هو في الأصل مميز، لكنه لا يدرك هذا ولا يحاول البحث عن مميزاته.
كان حسن تدبير الخالق جل جلاله، يظهر في عدالة توزيع الحقيقة بين البشر،
فكونك مررت أيها البشري، بما جرى في حياتك الفريدة من نوعها، فإنك بهذا حصدت أفكارًا تخص تلك المواقف، ستطرأ على بال غيرك حتمًا،
لكن ستنال أنت الأسبقية والخبرة إذا استغليتها بالطريقة المناسبة.
وبسبب هذا الاختلاف،
فلربما إن تعاون البشر وشاركوا مختلف الدروس التي جمعت من مختلف الظروف، 
سيرتفع وعي الفرد أضعافا مضاعفة،
لكن هذا لن يكون غير حلمٍ واهٍ ، لا يخضع له البشريّون، طالما لم يقدّروا ثروة اختلافهم.
بل أصبح البشريّ الواحد، يحتقر كل من خالفه الرأي، بتكبر وجهل مثيران للضحك.
يرجع ذلك إلى ما عُوّدت عليه نفسك في صغرها، فأغلب أمهاتنا يلجؤون للضرب بسهولة، والوصف بكل ما يُسيء من أوصاف، إذا خالف الابن أيٍّ من تعليماتها، ولا تتيح له فرصة التفكير في احتمالية صحة النقيض، والنقد والتساؤل.
فلا يكاد يخرج ابنها لملاقاة العالم والاصطدام بكمياته الهائلة من الاختلاف عما تعوّده،
حتى يبدأ بالهجوم والضرب واستخدام كل الطرق التي رأى أمه تردعه بها يومًا.
لطالما اتفقت مع نفسي أن البشر هم مجرد وحوش، قدّر لهم التمكن من كبح جموحهم، للعيش مع بعضهم بسلام.
نتشارك الرغبات، وتتفاوت نسب سيطرتنا عليها وانقيادنا لها.

قد نلغي الفرق بين القرارات الشخصية، وتربية الأهل في التأثير على الفرد.

اذا كان ذلك صحيحًا..
فكيف يكون بإمكانك في اللحظة التي تقرأ فيها هذا السطر، الخيار بالقيام بأمر سيء، أو جيد.
تستطيع أن ترفع يدك وتنزلها على خد من بجانبك، وتستطيع أيضا أن تربّت على كتفه وتظهر تقديرك لوجوده بحياتك.
ليس عليك إلا أن تختار، 
هل ترى بساطة الأمر؟
لكن إذا لم تكن أمك عاقبتك بالأمس، كل مرة تجرأت فيها يدك على صفع أحدهم، فلن تجد الأمر صعبا اليوم،
بينما إن هي فعلت، فإنك اليوم، ستستهجن الفعل، وتتردد إذا أردت تطبيقه،
لأنك حتمًا ستودّ ذلك، وستستسلم ولو مرة لتلك الرغبة، لكن عقاب أمك لك سوف لن يترك ضميرك بسلام، ولن يذيقك نومًا مريحًا،
عقابها لك سيبقى خصمًا لك يقف في طريقك كلما فكرت في اتخاذ ذلك القرار الذي عوقبت عليه آلاف المرات.
هكذا تعتمد حياة الإنسان في نظري، بشكل كبير، على ردود فعل محيطيه، تجاه تصرفاته الأولى في حياته.
فمثلًا..
ألاحظ في تنوّع قرارات الأطفال المفاجئة، لحظة بعد التنفيذ، حيث ينتظرون وقع ما فعلوه على ردود أفعال من حولهم، فإن نجحت خطة الصراخ، فهي إذن طريقة فعالة سيتخذونها عادة لهم..
وبعد قراءة ممتعة في جزء من كتاب -مهزلة العقل البشري- الذي ساعدني على فهم البشر، باعتبارهم بشرًا لا ملائكة أو شياطين، كما كنت أظنهم بلا اعتراف،
جاوبني الكاتب عن إحدى تساؤلاتي،
حين تحدث عن الظروف التي تسمح باتخاذ قرار ما، بناءً على كثرة المؤيدين له،
لا أتذكر أنه ذكر ظرفًا غير ارتفاع نسبة الوعي بين عامة الناس، فقط.
بناءًا على كل ذلك، سنطرح الأسئلة مجددًا،

هل أنتم على مستوى عال من الوعي؟
إذن ما الحجة والدليل؟
ما الدوافع وما العواقب؟
ما أساس هذا الرأي؟
ذاك الذي وشكتم على قتلي من أجل حمايته.

لا أكاد أسمع جوابًا، بين كل تلك الشتائم والإهانات،
ولا أدري ما دخل أخطائي السابقة بأمرنا الحالي،
اهدؤوا فالأمر ليس نزالًا أو تحدٍّ..
تصرخون بقوة شديدة، منعتكم من فهم أسئلتي، وأشك في سماعكم لها أصلا..
يبدو أن أحدًا منّا لم يستفد من تكرار:
"عليك احترام الرأي المخالف، بنيّ".

اليوم فقط، فهمت انتقاد د.علي وردي لقصة حي بن يقظان.. تلك التي لبطلها نفس حكاية "ماوكلي" الذي انتهى به الأمر بأن يعود لفطرته ويعيش كإنسان سويّ.
اليوم أتراجع عن تأييد القصة، بعد أن عرفت أننا محكومون بالبيئة المؤثرة بنا ومرتكبين لكل خطاياهم المعتادة.
وأنه لن يوقظنا من جهلنا إلا مخالطتنا لمن يختلف عنّا، لمن يمكنه رؤية أخطائنا ونصحنا.
اليوم علمت لم جُعلنا قبائل وشعوبًا، ولم علينا أن نتعارف، وكم كانت رحمة الله بنا أكبر من أن تُفهم بلا تفكّر.

إلهي..  
مدني بالقوة، لأظل أخرج ما عندي من كلام، في وجه العالم المختلف،
مدني بالقوة لأرى تشابهي معه، رغم الاختلاف،
مدني بالقوة كي أحب ذلك الاختلاف كما أحببت التشابه، وأعتمد عليهما كقدمان تسيّراني،
كي لا ترفساني بعيدًا حيث أتوه في غطرسة
 مميتة.