أجهدتني وأضنتني.. بنت الكلب..!
أريد أن أعرف تفاصيل حياتك، نشأتكِ ومراحل تطور فكرك ونضوجه..
أريد أن أسمع عن هذه التفاصيل التي يمرّ بها الآخرون في مراحل نموهم..
ما الذي يجعلك طبيعية؟
لم لستِ مثلي؟
أنا لا أزال في تلك المرحلة التي لا يكون فيها المرء ذكرًا أو أنثى..
أنا لا زلت طفلة، بغيضة مدللة عنيدة قاسية متفاجئة مندهشة، من كل ما هو بديهي ومعتاد،
لا تراعي الأدب، تهتم بنفسها فقط، تريد ما تريد، وتريده حالا!
أريد أن أعرف، هل تبكيكِ رفقة القهوة؟
هل تشهجين بالبكاء إن رأيتِ القمر؟ هل تعثرتِ وكدتِ أن تسقطي أرضًا من شدة الدهشة حين ترين النجوم كثيرة حولك؟
ألم تحسي يومًا أنهم يحدثوك؟ وهل تستشعرين أيًا من هذا حتى الآن؟
كيف بإمكانك التحكم بمشاعرك وكتمها بهذا الحزم؟
من أين لكِ كل هذا النضج والرصانة؟
هل يقشعرّ بدنك حين تخرج الأوراق ملونة من الطابعة الرقمية؟
هل شعرتِ يومًا أن الدمى تسهر بجانبك حتى تحميكِ؟
هل تتعلقين حبًا بكل من يظهر لك حنانًا وعطفًا؟
ما الذي يجعل كل إجاباتكِ لا؟
نعم أنا أستبق ردودك وتوقعاتي متسرّعة، هل أنت مثلي عديمة الصبر؟
هل تتذمرين من كل شيء لدى والدتك، ضاربة بكل جهودها لإسعادك، عرض الحائط؟
هل تتعمدين ارتكاب كل ما هو خاطئ، إن غضبتِ من نفسك بعد أن تتلقي انتقادا لا يماثل ما تتمنين سماعه؟
هل تأخذين هذا الدور السينمائي كطالبة منبوذة في المدرسة الثانوية، هل يبكيك أن تكون وحيدة كل يوم؟
هل تحتملين الصمت لنصف ساعة متواصلة في سيارة تركبينها وحيدة مع سائق غريب؟
كيف يمكنك ألا تخبري بكل ما هو قابع بصدرك؟ كيف بإمكانك الاختيار من بين هذا العدد المهول من الكلمات التي تتدافع متنافسة على الانفجار خارج هذه العتمة؟
هل تحاولين جاهدة لفت نظر أحد تحبينه إليكِ كما أفعل أنا؟
هل تبكيك نظرات المتعجرفين التي تخترقك بحرارة الاستحقار؟
هل تشعرين بالنقص أمام باقي الفتيات؟
هل تشعرين بأي فارق كبير يجعل تعايشكِ مع البشر مستحيلًا؟
هل تشعرين بتهديد وأنتِ تمشين وحيدة بين هذه المخلوقات؟
هل جربتِ أن يشعركِ الآخرون بغرابتك الشديدة التي تدعوهم لاستنكار وجودك واستحقاره؟
هل تعرضتِ للشتم للدرجة التي أيدتِ فيها كل كلمة نطق بها الشاتمون؟
أتصرخين ضحكا على كل ما هو تافه؟
أتبالغين في فرحكِ وحزنك؟
أتستشعرين الحياة في ما تحبين من الجمادات؟
أتحدثين نفسكِ احتقارا بصوت منخفض، في نفس الأثناء التي تتحدثين فيها مع معلم فاضل؟
أتُلبسين من حولكِ توقعاتك عنكِ وتتخيلينهم يسخرون منكِ بعد ابتعاد سمعك عن حديثهم؟
لا فرق، ولا أي فرق واحد يميزني عن شخصي وأنا بنت الخمس سنوات..
أشعر أن سنين عمري قد ضاعت سدى..
وأني أبدأ من جديد..
فاتني هذا التدرج في النضج، فاتتني مرحلة التحول من الطفولة إلى أي شيء آخر..
أنا هنا أتلقى دروسًا في التصرف بشكل جديد يلائم كوني فتاة..
كانت الأستاذة في المحاضرة تسمي حالة مرضية بـ "incompatible with life "
وأنا في داخلي أشعر بأنها تناديني باسمي..
ماذا عنكِ؟
بماذا تشعرين حيال ذاتك؟ أوصفيها لي، كيف بدأت؟ كيف تكونت؟ أكاد أحد أن يقتلها قبل أن تنجو وتُكمل بهذه القوة؟
أحبك.
الرسالة الثالثة: "عندما أكون بينهم"
١٧-١٠-٢٠١٦
تصل مسمعي أحاديثهم رغمًا عنّي..
يبدأ التساؤل "ما هذه الاهتمامات التافـ..."
أقطعه باستعجال وخوف، وأتمتم:
"،"استغفر الله استغفر الله، لكل اهتماماته الاي تكونت بظروف معيشته وبيئته المحيطة
قد يتعقد حاجباي وأغمض عيناي: اللهم لا تكبّر، اللهم لا غرور، اللهم لا استحقار، اللهم لا دناءة أفكار وأخلاق"
لا أحد يعجبني، أحاول تقبل الجميع رغم صعوبة هذا الأمر، إلا أنهم يتجاوزون كل الحدود، فهم مستعدون دائما لفرض صدهم لك وإن كان مزاحًا يخفي كبير الاستهانة والحقد.
أحاول صرف نظري عن مجموعة الفتيات اللاتي يضحكن وهم يمعنّ النظر في شبّان الجامعة، أحاول مسح صورهم من ذاكرتي، وهن يبتسمن لهم تلك الابتسامات المقززة، التي توحي بثقتهن بقدراتهن على إغرائهم..
أحاولا ألا أنزعج وألا أسمعهن تعليقي على قلة التهذيب التي تدعو أغلبيتهن لوضع أرجلهن وأحذيتهن التي رطبتها قذارة الطين، على موضع جلوسي وغيري..
أدعو مشفقة أن أستحيل لإنسانة أكثر دناءة،
لا أريد أن أغدو مثلهنّ..
وأكثر أكثر ما يؤلمني، هو حين أرى من تتحدث بنفس أسلوبي الوقح، وأرى كم يكون مظهرها سيئًا وهي تتلفظ بذات ألفاظي وتتحرك بذات طريقتي المستهترة المستهينة بغيرها..
أهكذا أنا أبدو؟
أكنتُ بهذه الحقارة دون أن أنتبه لتصرفاتي؟
يا إلهي.. أنا لا شيء.