من أبرز العوامل التي ساهمت في تشويه مفهوم الزواج والإضرار ببنية الأسرة، ما نراه من أنماط تربوية أدّت إلى نشوء فتيات مدللات ومستهلكات بصورة مفرطة، ممن يتعاملن مع الزواج كفرصة لتحقيق مكتسبات لا كشراكة ومسؤولية.


الأب الحنون، حين يُفرط في التدليل بدافع الحب ويستجيب لكل طلبات طفلته دون حدود، قد يكون ـ عن غير قصد ـ أحد المساهمين الرئيسيين في تشكيل نماذج غير ناضجة تعاني من ضعف في تحمل المسؤولية وفهم متوازن للعلاقات، مما ينعكس لاحقًا على استقرارها الأسري وقدرتها على تكوين أسرة متماسكة.


إلى من تربت على الاعتماد الكامل على الآخرين، دون إدراك لقيمة السعي والعمل: من المؤسف أن يُنشئك أحدهم على اعتقاد بأنك تستحقين كل شيء دون مقابل. الحقيقة أن القيمة الحقيقية لأي إنسان تكمن فيما يقدّمه، لا فيما يستهلكه. فإن لم تقدّمي شيئًا، فمن الصعب أن يكون لوجودك أثر إيجابي في محيطك.


رسالتي إليك: الخيار بينك وبين نفسك، إما أن تتحملي مسؤولية ذاتك وتكفّي عن الاتكالية، أو أن تتركي الآخرين يعيشون بسلام دون أن تثقلي عليهم بتصرفات مبنية على استحقاق زائف.


عندما كنتُ في بداية شبابي، تشاركت السكن مع مجموعة من الفتيات. لم أتوقع حينها أن تنكشف لي بعض أنماط الاستغلال المغلّفة بالنعومة. فتيات من عائلات ثرية كنّ يتعمدن إظهار الحاجة، ويجعلنني أتحمل عن طيب نية تكاليف يومية، بينما يدّخرن أموالهن لاقتناء الكماليات. لم يكن العطاء متبادلًا، بل استغلالًا لطبيبتي وضعفي عن قول “لا”. هذا السلوك ليس مجرد تصرف شخصي، بل هو انعكاس لتربية لم تُعلّم مبدأ “العطاء مقابل العطاء”.


بعضهنّ كان يعتمد على المظهر الخارجي كمصدر للاستحقاق، متناسيات أن الجمال هبة لا فضل للإنسان فيها، وأن الاعتماد عليه وحده لا يصنع قيمة حقيقية.


شعار مستتر عند البعض: “لماذا أدفع من مالي، إن كان بمقدوري دفع مال غيري؟”


أما الأزواج، فهم الطرف الذي غالبًا ما يتحمل العبء الأكبر في هذا النوع من العلاقات. يُطالب الزوج بتوفير كل شيء: المسكن، السيارة، الهدايا، وأسلوب حياة مرتفع، بينما تُبرر الزوجة غيابها أو تقاعسها عن المشاركة المادية والوجدانية بحجج متعددة. في بعض الحالات، تعيش الزوجة بروح غير مكتملة الحضور في الزواج، كأنها تستعد للانفصال أكثر من استعداها للبناء المشترك.


وحين يواجه الزوج أزمة، تُمحى تضحياته، ويُعامل كمن قصّر، لا كشريك تعثر. تُستنزف موارده، ثم يُترك خاويًا في كل شيء. هذه علاقة غير متوازنة، تميل إلى الاستهلاك أكثر من المشاركة.


ما يثير الاستغراب أن بعض من يحملن شعارات النسوية، ينتهجن في الواقع ممارسات تتنافى مع مبادئ العدالة والاستقلالية، فيقمن بتخويف الأخريات من الزواج، ثم يخضن تجارب زواج ينتهكن فيها كرامة الشريك، ويتركْن خلفهن رجالًا يعانون من آثار نفسية ومادية، ويُسهمْن في تشويه صورة النساء الناضجات والمسؤولات.


هذه مجرد قراءة في ظاهرة حقيقية ومؤسفة. لا أتحدث هنا عن جميع النساء، بل عن فئة محددة فقط، ولا أعمّم على كافة طبقات المجتمع.


تنويه ختامي:

الإنسان يُقاس بعطائه وقيمته في حياة الآخرين، لا بمقدار ما يأخذه منهم.

وشكرًا.

Comments (0)