بسم الله الرحمن الرحيم ...


سؤال يجول بخاطري منذ دخلت المدرسة ..
ماذا يستفيد الناس من هذه المرحلة ؟
ففي نظري أنا ،هي مجرد مرحلة صعبة، مُرّة ،ومؤلمة .

يجب عليّ أن أمرّ بها تبرئة للذمة ،ولأنني لا أستطيع دخول الجامعة من غير شهادات تلك المراحل التي لا أعترف بها!!.
قد يتخرج الواحد منّا من الثانوية ،ويبقى السؤال: هل هو متعلم بحق؟

في الحقيقة، أغلب خريجي الثانوية لا يُستحق أن يطلق عليهم لقب (متعلم) فالطالب لا يذاكر ولا يجتهد ليتعلم ، ولكن ليتخرج فقط ويخلص نفسه من تلك المرحلة الأليمة !!

فبمجرد نجاحنا أو بالأحرى "خلاصنا" من سنة دراسية، ننسى كل معلوماتها لأنها ببساطة قد انتهت.

يستحيل أن يكون هناك متخرج من ثانوية وهو مثقف!
فمناهج التعليم لدينا، لا تبني ثقافة إسلامية سليمة ولا بصورة عامة حتى.
والمفترض (على حسب علمي) أن تربي المدارس أجيالًا مسلمة!!
ولكن هل بعد التخرج تجدنا مسلمين ؟!
لا،والله لم نتخرج ونحن مسلمون بحق للأسف، بل نتخرج بكثير من الجهل .
المفترض أن المدرسة هي من تزرع (همّ فلسطين) في قلب كل طالب، (باعتباره مسلم)، فهل من طلبتنا من يتذكر فلسطين؟ أو يعلم أحداثا تجري بها ؟

في الواقع كل عام تقوم المدرسة بتخريج (جاهليها)، ثم يتراكضون حلفهم لمحاسبتهم -مثلا- على تقليد الغرب في اللبس وتسريحة الشعر!

إني لأعجب من أمرهم حقًا ..
عندما لم يعجبكم ما فعلوه خريجيكم، هل سألتم أو حتى فكرتم بأنها كانت غلطة تربوية جذرية؟
إن وظيفة المدارس " تربية وتعليم " لتنشئة أجيالٍ مسلمة، ومثقفة، وغيورةٍ على دينها، ومقتنعة بأحكامه!! وهذا أهم شيء.
لا أحد ينكر أن طلابنا اليوم غير عابئين لأحكام الدين..
ثم نلومهم لأنهم لم يقتنعوا بأحكام الدين تلك، لأن لكل منهم طريقة تفكيره.
والحقيقة أن متهجية التعليم هي الملامة الأولى هنا !!

هم الذين لم يدرسونا غير مذهب واحد، يستثنونه من بين جميع المذاهب، وكأنه الصحيح الوحيد، والباقي غير غير صحيح، ولا يؤخذ بأحكامه. وهذا هو الانطباع الذي يؤخذ عن بقية المذاهب.


سأحدثكم عن ما حدث معي في بداية داومنا بالمدرسة ..

كان أول يوم لي في السنة الثالثة المتوسطة. سُجّلت جداول الحصص ،واستُلِمت الكتب، وبقينا دون دروس، فاقترحت على بعض الزميلات أن نتناقش في موضوع القراءة (محاولةً مني في تحبيبهنّ بالقراءة) وبدأت حديثي عن الشيخ علي الطنطاوي، فقامت إحداهن بمقاطعتي متحمسة: "لقد قرأت كتابًا في الإجازة عن الحجاب للشيخ محمد العريفي يا مريم، وأعجبني كثيرًا، وقلت أني سأعطيكِ إياه لكي تقتنعي بوجوب تغطية المرأة لوجهها".
فحاولت أن أرد عليها بكل بشاشة لأستطيع شرح وجهة نظري، : صحيح ما قلتِ عن وجوب تغطية المرأة لوجهها، ولا أستطيع أن أخطئ ذلك، ولكن مع ذلك، فإنه صحيح أيضًا أنه يباح للمرأة كشف وجهها ولا يمكنكِ أن تخطئي ذلك، لماذا؟ لأن كل فتوى لعالمٍ مختلف، ولا يمكن أن نخطئ العلماء، فمن أفتى بالجواز كمن أفتى بالحرمة اجتهد في دراستها والبحث عن أدلةٍ لها ".
ففوجئت بردة فعل شنيعة منها، وبكل عصبية قالت: " لا،والله إنه لم يتعب !!"، فتحت فمي مصدومة من قوة كلماتها تلك، أقسم إني لم أدرِ ماذا أفعل، فهل أبكي؟ أم أضربها؟ أم ماذا؟.
فقلت لها وأثر الصدمة لا يزال على وجهي:" كيف تتجرئين على قول هذا الكلام على عالم مسلم يا مايا ؟"
فقالت :"نعم!! إنه لم يتعب، فقد قالها من عنده بدون أن يتعب أو يبحث أو ينظر في الأدلة القرآنية".
سمعت منها هذه الكلمات ، فقلت لنفسي:" هذه لها الله"، فاستمعت لها وأنا أومئ برأسي من غير أن أنصت حتى.

هذه طالبة من الصف الثالث المتوسط ، ليس لديها أدب الحوار،ولبست حتى
تحترم علماء الدين الموقربن.أفهذا ما تسعى المدارس أن تعلمه الطلبة؟
لكن مضى ذلك اليوم، وجاءت معلمة مادة التفصيل والخياطة في أول درس ..
قالت لنا:"من التي ترى أن هذه المادة لا تفيدنا في حياتنا؟"
أبدت بعض الفتيات رأيهن، فشاركت ودار بيننا هذا الحوار :
"من وجهة نظري أنا: لا أقول أنها غير مهمة في حياتنا،ولكن أقول أن طريقة تعلمها
مملة، وتجعلنا نريد أن نقدم جميع أعمالنا في وقتها المطلوب لنتخلص منها، وأيضًا لأننا لا نقوم بتثبيت طرق
عمل الغرز، وغيرها، فيجعلنا ذلك ننساها بسرعة، وبعد ذلك لا نعرف كيف نستفيد منها في حياتنا، فأنا لم أستفِد حتى الآن
من قدومي للمدرسة كل يوم، ما عدا أني بعد التخرج سأتمكن من دخول الجامعة"
ردت معلمتي :"طيب، تقولين أنكِ لم تستفيدي شيئًا من المدرسة، لكن هل كنتِ تستطيعين القراءة والكتابة قبل دخولك المدرسة؟"
قلت:" هذا شيء عادي في جميع مدارس العالم، وليس هذا قصدي أيضًا، لكن ما أقصده هو:
هل الذي يتخرج من المدرسة مثقف؟"
أردفت :" بالطبع لا، لأنه من المؤكد أنه لا بد من أن يلجأ إلى قراءة غير كتب المناهج ليصبح مثقفًا".
قلت:" نعم هذا صحيح، لكن لمَ لا تكون تلك الثقافة في مناهجنا هذه؟".
قالت:"هل أنتِ الآن معترضة على المناهج أم على المدرسة هذه بالذات؟".
قلت:"أنا معترضة على المناهج ذاتها، فأنا أحس أنها لا تفيدنا شيئًا أبدًا، بل و تدرسنا مذهبًا واحدًا للدين، وكأن
المذاهب الباقية كلها غير صحيحة، هذا ولكل منا طريقة تفكيره!!".
قالت:"لو وضعوا لكم جميع المذاهب الأربعة سيصبح المنهاج صعبًا جدًا عليكن".
قلت:"هذا الكلام هو السبب في تأخرنا، فنحن نستصعب كل شيء، وهذا تفكير سلبي، فلو كانت المدارس قد بذرت
فينا عدم استصعاب أي مادة من المواد، لما كان هذا هو الحال".
قالت:" ولكن التعليم الآن يتطور".
قلت:"نعم ولكن مع ذلك نحن جدُ متأخرين"، وانتهت المناقشة، فشكرتني، وأجلستني.
لا بد لأحدٍ أن ينظر في موضوع تعليمنا، فهذا التكاسل ليس من صالح الطلاب.
،

تساؤلات النقاش (التفكير):
أولًا: ما الذي يجب على وزارة التربية والتعليم فعله تجاه هذه المشكلة؟
ثانيًا: وإن لم تتغير المناهج، ما هو دور الأهل والطالب حينها؟


Mariam Tunker
16 oct 2009
بسم لله الرحمن الرحيم ..

في أثناء هذه الإجازة قمت بقراءة كتاب "ذكريات 1" للشيخ (علي الطنطاوي) –رحمه الله –



الناشر: دار المنارة "جدة".
الطبعة الثالثة 1422هـ - 2001م.

وأيضًا ، قرأت نبذة عنه في هذا الموقع :
http://www.geocities.com/safahat_chamiyeh/personalities/ali-altentawi.htm

الطبعة واضحة , غلافها ممتاز, اوراقها سميكة , باختصار .. طبعة جميلة جدًا .

راقتني فكرة الكتاب وهي تتحدث عن كيف نشأ وتعلم شيخ عظيم كالشيخ (علي الطنطاوي) –رحمه الله- .
أحسست حقًا من خلال قراءة هذا الكتاب كيف أن الناس كانوا يتعلمون بشغف تام حيث لم يكن هناك ما يلهيهم عن العلم ,فقد كان لا يشغل بالهم سوى العلم !! .

كان أسلوبه رحمة الله عليه رائعًا بحق !
فقد تمنيت لو كنت بدمشق , وزادني شوقًا لزيارة الجامع الأموي بدمشق, وتمنيت لو أني ولدت بذالك الزمان ..
نعم , فكل من يقرأ هذا الكتاب سيتمنى ذالك حتمًا .

قال في بداية الكتاب :
" النفس في تبدل مستمر كل يوم يموت فيَ شخص ، ويولد فيَ شخص جديد ،
والميت هو أنا ، ,والمولود أنا ، خلايا جسدي تتجدد كلها كل بضع سنوات حتى
لا يبقى منها شيء مما كان ، عواطف نفسي تتبدل ، فأحب اليوم ما كنت أكره
الأمس ، وأكره ما كنت أحب . أحكام عقلي تتغير فأصوب ما كنت أراه خطأً ،
وأخطَئ ما كنت أجده صوابًا " .

هذا تفسير قوله إن من تعود أن يكتب كل يوم في هذا الدفتر ، وجد يومًا نفسه التي فقدها .

رأيت كيف تأسس وتربى الشيخ (علي الطنطاوي) فكان من الذين جمعوا في الدراسة بين طريقي التلقي على المشايخ، والدراسة في المدارس النظامية، حيث كان يختلط بالشيوخ والعلماء كثيرًا ، حينها كان الأساتذة صارمين جدًا مع التلاميذ (مع أن والده كان مديرًا للمدرسة التجارية التي درس هو فيها ! )
وهذا ما يسميه بـ ( موضة المعلمين وقتها ) ، عجيبة حقًا نشأته ..
فمع أن والده كان معلمًا فاضلًا إلا أنه لم ينهل من علمه الكثير , بل أنه بعد وفاته اكتشف مسودةً عظيمة من كتابة والده كان قد أحصى فيها زيادات القاموس المحيط على لسان العرب ، فبلغت ألف مادة !! .

كان منعزلًا عن الناس لا يصاحب أحدًا ممن هم بسنه أوحتى بصفه ،كان حتى لا يخرج من بيته وإذا خرج فإنه يحضر مجالس علمٍ كانت تقام بالأموي ، لم تكن هناك ما نسمى بالإذاعة لذلك كان من شدة عزلته كان حتى لا يعلم حين تقوم المظاهرات ، فقد كان يذهب إلى صفه فلا يرى أحدًا غيره ، يدخل المعلم فينظر فيه نظرة يزدرؤه بها ، يحسبه جبانًا لأنه لم يخرج ليظاهر مع بقية الناس.

لم يكن عندهم حينئذ إلا داران للسينما الصامتة وصف من يدخلها بقوله :
" إنه لا يدخلها إلا من سفه نفسه " .
حتى إنه كان وقت فراغه يمد يده لمكتبة كانت في بيتهم فيأخذ منها ما تصل إليه يده ، لم يكن معه أحد يخبره عما يحتوي كل كتاب أو يساعده فيعطيه كتابًا يناسب سنه . كان يفتح الكتاب فإذا أعجبه قرأه وحتى لو لم يفهمه ، فيعلق بباله ، فلما يكبر يتذكرها ، فيفهمها ، وإن لك يعجبه أعاده حيث كان ، كان ما قرأه في طفولته مجموعة هائلة من الكتب يصعب على الواحد منا تصديق أن (طفلًا) قرأها ، فقد قرأ كتباً لم يكن لأحد أن يتخيلها ، فلم يكن له جليس يجالسه ولا صديق يؤنسه ، فكانت الكتب متعته الوحيدة .

دفعني ذلك دفعةً قوية وحفزني تحفيزًا شديدًا زود حبي للقراءة (فربما يمن الله علي فأصبح بمثل علمه ذات يوم ) .

تحدث الكتاب عن أهم منعطفات حياته :
فكان هناك مكتب عنبر ، والجامع الأموي ، ومجالس العلم في بيته بين والده وتلاميذه ، إضافة إلى وفاة والده مما كان له أشد التأثير عليه ،وأيضًا وفاة والدته ، وعودته للتدريس في المدارس الأهلية ، والأهم من ذلك كان: سفره إلى مصر .

وفيه اعترف الشيخ (علي الطنطاوي) بأته كان أخطأ خطأً فادحًا عندما لم يدون أحداث حياته في وقتها ، وفال أنه سيكون أفضل لو دونها حالًا قبل أن يفقد الذكريات ( القليلة ) التي يملكها .

في بداية تأليف الكتاب ، لم تكن فيه النية حتى لكتابة الذكريات القليلة التي لا زال يحتفظ بها ، ولكن بعد تشجيعه و مساعدته وتحفيزه ولا أقول (إرغامه) وافق أخيرًا على أن يقوم بذكرها وأن يكتبها له كاتب ، وبعد ذلك قام هو ليكتبها مؤيدًا فعله بقوله :
( إنه لا يحك جسمك مثل ظفرك).

تحدث عن تنقله من مدرسة لأخرى حيث كان لذلك أثرًا كبيرًا عليه .

تحدث أيضًا عن كيف أثر ذلك فيه فقد قابل علماء عدة منهم من كان له الأثر في نفسه ، وفي أسلوبه وهم كثيرون ، كان لهم الفضل – من بعد الله – وخاصة في مكتب عنبر ، قام علي الطنطاوي بالقاء عدة محاضرات حماسية ضد الحكم الفرنسي مما أدى لوقوعه بمشكلات كثيرة ، ولكنه مع ذلك لم يتوقف عن القاء تلك الخطب التي طبع منها الكثير ،
قال واصفًا نفسه وهو يخطب :
" كنت شابًا في زهرة الشباب حسن الوقفة ، جهير الصوت ، صحيح النطق ، ولولا الحياء لقلت إني ( جميل الصورة ) أيضًا !! "

لا أريد أن أثقل عليكم بذكر نفاصيل الكتاب .. ولكن أرجو أن أكون لخصته بالطريقة التي تناسب من يقرأه .. و أرجو المعذرة إن كان أسلوبي ركيكًا ، فهذه أول محاولةٍ لي في تلخيص كتاب .

وهذه نصيحة مني لحديثي العهد بالقراءة : أن يبدأو بقراءة كتب الشيخ علي الطنطاوي وكتابة ملخصات للكتب المقروءة .

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .


Mariam Tunker
14-8-2009