بسم الله الرحمن الرحيم ..



ها أنا الآن، أحس بمرارة البكاء ، ولكن أتذكر تلك الكلمات: " الألم هو من يكتب يا صديقتي " .

أشكرك .. أشكرك كثيرًا على هذه الكلمات الرائعة .

والآن أنا متألمة، وسأكتب ..



كنت في مدرستي (الرائعة) ، رنّ ذلك الجرس المزعج معلنًا انتهاء حصةٍ وبدء أخرى.

تصفحت بسرعة جدول حصصي ، فإذا هي تلك الحصة المشؤومة.

صرخت بصوتٍ عالٍ:

"هيا يا فتيات، لا يحتاج أن أذكركن بما عليكن فعله".

رددن عليّ: "طبعًا مريم، لا يحتاج".

أقرّ بأننا كنّا نتصرف بلا تفكير، وبقلة عقل، وذلك لأننا لم ندرِ كيف نقابل تصرفاتها بغير هذا الأسلوب (للأسف.. كنا مخطئين!!)

على كل حال..بدأت الفتيات بتسميع النشيد الوطني، متمثلات بالتأثر باليوم الوطني، وهنّ في الحقيقة يستقبلون تلك (المعلمة)، فهاهي أميرة الاحتفال قد وصلت: (يا حيَا الله).

فتحت الباب بعصبية، أخذت تصرخ لدقائق.

ثم قالت: "دعوا الوطن لأهله، هم ينشدون له.. أنا أعرف جنسية كل واحدة منكن، فلا تتصنعن

الوطنية، وأنتن لستن من أهل هذا الوطن!!".

أحسست بقلبي يخفق بشدة بعد أن سمعت تلك الكلمات، فهذه لم تكن المرة الأولى التي تظهر فيها عنصريتها المقززة،

ولكن تفاجأت، لأني أنا السبب في تفوهها بتلك الكلمات، حيث أن ذلك لم يكن في الحسبان، ولكن كنت قد أدركت حينها كم كان تصرفي غبيًا.

فقاطع تفكيري تساؤل إحدانا:

"ماذا تعينين بكلامكِ يا معلمة !؟ ".(وقد أحسست بأنها لو لم تكن من الفئة المقصودة لما تكلمت.. وقد أكدت لي أفعالها بعد ذلك مصداقية الأمر).

ردت عليها قائلة: " أنا لا أقصدكِ أنتِ يا مايا، بل أقصد هؤلاء، قليلات الأدب!!"

وأصبحت الفتيات يبدين اشمئزازهنّ من عباراتها.

بينما كنت أنا أرتجف من شدة الخوف، فقد أنكرت فعلها، وكنت أريد أن أفعل شيء

ولكن كان في قلبي شيء من الخوف من الوقوع في المشاكل، وكان ذلك لأول مرة !

لم أستطع حينها تحديد مشاعري، فقلت لفتاةٍ كانت بجانبي :

" أهكذا كان يفعل رسول الله!؟ " وكنت أنوي بذلك أن تسمع تلك الـ (معلمة)، ولكن مع ذلك الشعور الرهيب عجزت حتى عن اختيار الكلمات المناسبة

فقد كنت أقصد معنىً بعيدًا جدًا بتلك العبارة، ولكن الغضب جعلني أقولها هكذا.

وحصل ما أردت، فجاءت تصرخ عليّ : "اصمتي!!" .

قلت: " أنا لم أحدثكِ أنتِ، أنا حدثت زميلتي!!" طبعًا كنت غير مهذبةٍ معها أبدًا حينما قلت تلك الكلمة، ولن أخفي أنني قلتها وأنا أرتجف من الخوف!

لم ترد عليّ بالتأكيد، حيث كانت مشغولةً بضرب تلك المسكينة.. بحجة أنها أجنبية!

كنت أشاهدها وهي تضربها بكل ما أوتيت من قوة، وأقول لنفسي: " لا بد من أن أفعل شيئًا ما!!"

اكتفت (بنت البلد) من ضرب تلك الأجنبية، وهمّت بشرح درسها.

فقمت أنا بإرسال رسائل لجميع الفتيات: "إياكن والمشاركة في الدرس!!"

وجلست أشاهد. لأرى من هي التي تجرؤ على المشاركة في درس هذه المعلمة.

هذه الأولى، وتلك الثانية، والثالثة، والرابعة !!

أهن راضيات بما قد رأين من شنيع صنعها ؟؟

ألا يهتممن بمشاعر تلك التي ضربتها هذه المعلمة قبل قليل؟؟

أم هن لا يكترثن لكرامتهن ؟؟ أعماهن حب الدرجات أم ماذا ؟؟

بعد خروجها من فصلي، جلست أفكر في الأمر. ماذا يجب عليّ أن أفعل ؟

ففكرت في أن أستشير بعض المعلمات في الأمر، لعلهن يساعدنني، ولكن عندما حاولت البحث عمن يقف في صفي من المعلمات

فلم أجد أحدًا أبدًا، فأصبت بالإحباط الشديد، ولم يرتح قلبي بعدها.

إلى أن أتت الفرصة (وقت الغداء) وقابلت صديقتي، حيث كانت ملامح وجهي تعبر عن استيائي، وإحباطي.

فلما سألتني صديقتي عما بي، لم أستطع إجابتها، بل اكتفيت بالبكاء على كتفها.

وقد كان البكاء مريحًا جدًا لي، أحسست بأني أخرجت ما كان بي من غضب.

حاولت بعدها، أن أقنعهن إقناعهنّ بعدم المشاركة، وتعاون معي الفصل كله ما عدا اثنتان

رأيت حينها أن الأمر غير مهمٍ على الإطلاق، غير أن ما حصل بعد ذلك هو أن أصبحت كل واحدة تخاف على نفسها

وتسحب كلامها، وتأييدها، لئلا تهبط درجاتها في المادة ، وحجج أخرى لا نهاية لها .



وبعدها تركت الأمور على حالها، بسبب ما رأيت من الفتيات من تراجع، ونفاق، وأشياءً أخرى لم أتوقعها، كان لها أثر على راحتي النفسية.


فعادت تكرر ما فعلته سابقًا ، لكن في فتاةٍ أخرى، وكان السبب في هذه المرة: هو

أن الفتاة عاندتها، حيث أكلت البسكويت حين أمرتها برميه في سلة المهملات، فانهالت عليها بالضرب.

تظاهر البعض بالاشمئزاز من فعلها مرة أخرى، فقلت أنا لإحداهن مازحةً :" فلتشاركن بعد هذا أيضًا" .

فردت عليّ بوقاحة رهيبة، قالت: "نعم سأشارك، وهل ستمنعينني إذا شاركت؟ لن تستطيعي منعي !! ".

بعد هذه الكلمات من تلك الفتاة، لم أرد عليها، ولكنها زادت هبوطً في نظري.

وحصل أن زارت فصلنا المعلمة ( ف )، وأرادت يومها أن تستفسر عن أحوالنا في مادة الجغرافيا، فقصصت عليها كل شيء، فانصدمت صدمةً كبيرة

ووضحت لنا مواضع أخطأنا فيها، أرادت منّا أن نناقشها فيما فعلت (وهذا ما قد حاولنا فعله ولكنها أعرضت عن الاستماع لنا).

فقالت بأنها سوف تتصرف، وتحاول أن تتحدث مع معلمتنا،ولكن اشترطت في المقابل على أن نعاهدها أن نحسن التصرف، وتم الاتفاق.

وفي الأسبوع التالي: جاءتنا معلمتنا (ف) القديمة لتدرسنا، ولكم يا أحبتي أن تتخيلوا كم كانت فرحتي مع أني توقعت ذلك. ولم نعد نرى المعلمة (ع) في المدرسة مرة أخرى !

واستبدلوها بمعلمتنا ( ف ) .. التي قامت بدورها بإخبارنا أن امتحاننا الأخير سيكون مسؤولية المعلمة ( ع ) ,,,





كانت أول توقعاتي هي: أنها ستقوم بالانتقام منّا بوضع أسئلة صعبةٍ جدًا، أو أسئلة مشتتة ، ( وفي يوم الامتحان .. لم يخب ظني ! )

فبعد انتهائنا من ذلك الامتحان،أخذنا نتناقش كالعادة في حل الأسئلة ونتبادل الإجابات.

حيث كانت لكل واحدة منهن إجابة مختلفة، مما جعل زميلاتي هامدين وصامتين يفكرن فيما ستكون درجاتهن، فما كان مني إلا أن صعدت على كرسيّ قائلة:

" لقد فعلَتها !! لقد انتقمت منّا بتلك الأسئلة !!! ههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههه"

وأصبح الفصل يعج بالضحكات المختلفة، ولم أهتم بدرجتي في ذلك الاختبار.

ولكن اليوم، جاءت معلمتنا ( ف ) لتقول: " ثالث!! في هذا الأربعاء سوف يختبر جميع من بالفصل ثانيةً، جميع درجاتكم كانت صفرًا أو اثنين.

ولا أخفي عليكم أني ضحكت ضحكًا كثيرًا أتعب قلبي !! ولكن مع ذلك أحسست بفخر كبير جدًا، فقد أثبتنا من غير قصد للجميع بأنها معلمة فاشلة !!

وفي البيت، أعدت النظر فيما حصل، أيقنت أنّ الله لا يضيع حقّ أحد من الناس، ووجدت أنه لا يجب أن ييأس أحد من أن الله سوف ينتقم من الظالمين.

وقتها أحسست بعبراتي تنزلق على خديّ، فهذه ثمرة جهدي! لأني كنت إيجابية، وظللت أحاول مرة، وأفشل مرتين.

ولكن في الأخير.. لقد نجحت !! نعم نجحت.


Mariam Tunker
6 des 2009

Comments (0)