لو أيقنّا فعلًا، أننا ناقصون، نعيش في عالم ناقص، لن نتمكن من النجاة فيه إلا بالتعاون، والعمل المستتب.
لما كان جشعنا سبب قابع وراء ارتفاع رسوم الدورات التعليمية والتدريب  والتدريس واستغلال ملل الشباب وحماستهم أو حتى خوفهم من الإخفاق في الدراسة.
 لكنّا اكتفينا بمقاطع اليوتيوب التعليمية ونوادي التدريب العامة،
ولوجدنا حملات عامة تدعو لممارسة أنواع كثيرة من المهارات والهوايات في أركان شوارعنا بلا أي مقابل سوى الحب والمرح والتطور.

لو أقررنا فعلًا بنقصنا وصدقّنا أن كل ابن آدم خطّاء، لسامحنا بعضنا وأنفسنا، ولجددنا الهمم في تغيير أنفسنا نحو الأفضل باستمرار، كما ننظف بيوتنا دوريّا من الغبار الذي لا محالة من دخوله إليها.

لو أنّا أحببنا بعضنا حقًا كما ادّعينا، لكانت المرافق العامة في أحسن حال، ولكثرت تلك المرافق وتعددت وظائفها تحت الهدف الأساسي، وهو الترويح عن النفس والاستمتاع بما يفيد.
ولاستمعنا لأعذار من نحب ونكره، ولذكّرنا أنفسنا بأن لنا من يكرهنا ووددنا لو أنه عرف عنّا صلاحنا بعد أن سبقتنا إليه مساوئنا.

لو أن تلك الأخلاق الطيبة هي التي تسود، لكنّا لاحظنا أن من امتدحنا مستخدمًا "كلكم" لم يعمّم وإنما قصد التحدث عن السائد الغالب.

لو لم يكن الخلق السيء هو السائد، لما أحسسنا بالسخافة حين نسينا حقدنا وابتسمنا بصدق في وجه من تحدث عننّا بالسوء بمسمع منّا وتمنينا له صباحًا طيبا.

لو أننا فعلا نقبّح الرياء، لما أحببنا وجهه الآخر، بإخفاء عادات أبنائنا السيئة للمحافظة على سمعة حسنة.

لو أننا اعترفنا بجهلنا ولم نتحجج بـ"لا أحب الحديث في الدين أو السياسة" متناسين أنا خوفنا هو سبب ارتعابنا من المجهول، لما حُرّكنا كقطع متحجرة على رقعة شطرنج ليربح الذكي الذي استغل جهلنا بإخافتنا من أجل أن يفوز هو وحده.

لو أنّنا تواضعنا، ولم نتجبّر بأي منصب قدّر لنا، لما تطاولت المعلمة على طالباتها حين تساءلت إحداهن عن المعنى خلف الأوامر غير المنطقية التي تُتّبع على مدى الزمن،
ولا ظنت أنها أفضل منهن عقلا وفكرا وتدبيرا، أو أعطت لنفسها ما للإه من حقوق لا شعوريا.

لو أننا تعلمنا من الملحدين وكل من أزال عن فكره القيود وفكرنا مثلهم بكل تحرر، لما ظللنا في متاهاتنا ومستنقعاتنا كل هذه الدهور.

لو أننا احتضنّا أبناءنا حين أخطؤوا، للجؤوا إلينا قبل ارتكاب أخطاء جديدة، بدلا من الاختباء والابتعاد بسبب البغض والحقد الناميان بقلوبهم نحونا وإن لم يعترفوا به لأنفسهم.

لو أننا عرفنا معنى النقاش واحترمنا عقول بعضنا، لما ربّينا أبناءنا بالمنع المبتدئ بـ "لا!" والمنتهِ بـ "من غير ليش!".
ولا واصلوا الوقوع في الأخطاء بتكرار يصعب إيقافهم وكبح جماحهم المكبوتة.

لو أننا في صغرنا تصرفنا بطبيعتنا وأفصحنا لوالدينا المعارضين عن كل رغباتنا وواصلنا محاولات النقاش وأصررنا عليه، من غير الخضوع والاضطرار للتمثيل وادّعاء الطاعة، لما وجدنا أنفسنا ننتظر غيابهم بفارغ الصبر لنخلع الأقنعة ونناقض كل ما كنّا عليه في حضورهم.

لو أننا لم نسمح لأنفسنا بذلك التناقض، لكنّا صدقنا مع من أنجبنا، وما أذقناهم ما كرهنا تذوقه من آبائنا، ولا تذمّرنا من أفعالهم المطابقة لأفعالنا حين كنّا بمثل عمرهم.

لو أننا فعلا أردنا إصلاح عالمنا، لتوقفنا عن الإنتقام ممن آذانا، بأذية غيرهم بنفس الطريقة، ولأدركنا أننا بفعلتنا هذه سمحنا لدائرة الخلق السيء بالدوران والتفشّي أكثر.

لو أننا أوقفنا دائرة الأفعال الشنيعة تلك حين أتى دورنا، لما تأففنا من أفعال البعض حين وقع عليهم الدور في إطلاق تلك الشناعة علينا.

لو أننا فقط تحلّينا بالصبر والقوّة، ووثقنا ببعضنا إخوتي البشر، لتمكنّا من إنشاء بعض الفروق، لأننا لا نزال نحتاج لعزيمة من حولنا، فعزيمة وحيدة وسط مستهزئين غالبين، لا تكفي لجعل هذا العالم أفضل.

وستبقى الـ "لو" تُذكر باستمرار، وستحتاج تطبيقا فعليًّا منّا.. لتُفتح أبواب الجنّة..


مريم تُنكر
١٤ أغسطس ٢٠١٤

Comments (0)