في دفتري المنهك، المثقل بأسراري..
دفتري المنسيّ، الذي سيعذب من يقرؤه بعد رحيلي كمحاولة يائسة للتمسك بأي جزء منّي،
أضيف له جزء آخر من عذاباتي..




التقطتُ هذه الصورة وأنا أشعر أن كل عناصرها مجتمعة، تمثل شعوري برضًا خالص وقناعة بأن لا شيء ينقصني.


...


"صباح الخميس 
25 أغسطس من عام 2016 الميلادي
22 ذو القعدة من عام 1437 الهجريّ
لقد كبرتُ كثيرًا .. وهذا متعب جدًا.

لن يبقى لي من يبرر أخطائي، سأحتملها وحدي، ولن يحق لي الرد والتحجج بأي عذر.
وسأبقى متيقظة وراضخة، وأنا في انتظاري للعقوبات الوخيمة التي ترسلها إلي أفعالي، كمفاجآت مستقبلية.

كنت قد تجهزت لمشاهدة مسلسل رسومات أقابل فيه بطلي الخيالي المفضل، لأستمتع بشيء من الضحك وشيء من الهيام بالتأمل في وجهه، الذي لم أجد في غيره كل تلك المعاني الشريفة.
لطالما أحببت أن أكتفي بالتوهم بأن تلك الرسمة هي أيضا حية بفضل المعنى الذي أراه يتجسد فيها فقط، وأحلم في الخفاء بأن تغدو يومًا من لحم ودم.

كما أصبحت قراءة الروايات تزعجني بجمالها، وأشعر بالفتور عقب استمتاعي بها، واستعجل بتحصيل معانيها المختبئة واستنباطها ومفعولها السريع على أفكاري.. لا وجود للصبر، أكاد أقتل نفسي بلا سبب واضح.

يضايقني عقلي بصحوته، وهو يردد بخفية، قوانين الترفيه التي أدرك عدم منطقية فرضها على نفسي.
لم أستطع إجبار نفسي على مشاهدة شيء، لا رغبة لي في الترويح عني نفسي، لا أقتنع بضرورية هذه الفكرة مهما حاولت..

الترفيه ليس كافيًا لإسعادي، أستمتع بالجدية فقط، تكفيني هزلية شخصيتي.
أريد دروسًا صريحة، لا أريد إثارة وضحك، لا فائدة من هذا أبدا في رأيي.

يتردد صوت أبي كثيرا حولي، أصبحت أتوهم سماعه في كل مكان، وحين أسمعه، أصدق كليًا أنه عاد للحياة.
الحياة جادة جدا، وأنا النقيض.. ربما لسنا لائقتان ببعضنا."

أتذكر بتفاجؤ! أنني أكتب بقلم رصاص.
لا يمكنني المتابعة هكذا، لأنني سأحتاج أن تبقى هذه الكلمات محفوظة بعناية.
أكمل الكتابة بحبر جاف، متجاهلة التفكير بما سأسببه من ألم لمن سينبش في ذكرياتي،
لن أهتم، ففي الرحيل الأخير، سيحق لي أن أكون أنانية.
فنحن دائما ما نرحل بأنانية.. 
الرحيل فكرةٌ أنانية..

أتابع الكتابة في دفتري، ويسوؤني احتفاظي لهذا الكم الهائل من الذكريات الخاصة. لا أتمنى أن ينساني العالم، ولكن لا أريد أن أتسبب لأحد بالأذى.

"رتبت غرفتي بحسب ما رأيته لائقًا، تناولت فطورًا لائقًا، مظهري يبدو لائقًا.
عليّ إكمال هذه السلسلة بالبهجة الـ"لائقة" أيضًا..
أشيح ببصري نحو نافذة غرفتي، أحاول عبثًا أن أركز ناظريّ على النور الذي تبعثه أشعة الشمس بسخاء، محاولةً إظهار امتناني لها..

أشعر بالفراغ.. وتلك الأشعة، تعقّم روحي السقيمة التي لا تنفك تمقتني وتتغذى على كآبتي.
تلك الأشعة تمدني بأمل زائف، وتغمرني بحب مؤقت، فأتوهّم كثيرًا وأتأمل أكثر..
وتبدو كل أحلامي بمتناول يدي، ولا يبدو لي أن هناك أسهل من تحقيقها.

ينقطع حبل أفكاري بعد تساؤل مضنٍ.. "متى أكف عن اللحاق بمعايير حددتها بأبعد ما يكون عن قدرتي؟"

لست مضطرة لأن أكون سعيدة عن طريق المضي وفق خطة محكمة، اتفق الكل على إنهائها بعبارة "وعاشوا بسعادة وهناء".
قالوا أن الشقاء هو بمثابة حجر أساس بناء السعادة.
لكن بعد أن ينتهي الشقاء، لا أجد أن السعادة قد أتت بعد، ويطول التيه في خوض الانتظار..
 ربما لم أتمكن من ملاحظتها لانشغالي ببغض نفسي التي أقودها للجنون، حتى تستسلم وتلجأ للقلم، كمفر وحيد.

أتساءل: 
"هل سيكذب القلم حين يحركه الكاذبون برغبتهم الحرة في بعثرة كلماتهم؟"
"هل ستشهد تلك المساحات الورقية البيضاء زورًا إن ملأها سيئو الأخلاق بحديثهم المتراكم؟"
"هل هذان الاثنان هما أدوات الصدق السحرية الوحيدة؟"

لا يهم..
لكني لا أتذكر أني قد كتبتُ شيئًا يومًا، دون بكاء مرير"

Comments (0)